الْـفَرْقُ بَيْنَ الْـحَدِيثِ وَبَيْنَ السُّنَّةِ وَالْأَثَرِ
هَذِهِ الْـمُصَطَلَحَاتُ أَحْيَانًا تَكُونُ مُتَرَادِفَةً، فَيَكُونُ الْـحَدِيثُ بِمَعْنَى السُّنَّةِ وَالسُّنَّةُ بِمَعْنَى الْأَثَرِ وَالْأَثَرُ بِمَعْنَى الْـحَدِيثِ وَهَكَذَا. لَكِنْ عِنْدَ التَّحْقِيقِ وَالتَّحْرِيرِ وَعِنْدَ اجْتِمَاعُهَا يَلْزَمُ التَّفْرِيقُ بَيْنَهَا.
وَالْـمَشْهُورُ وَالرَّاجِحُ أَنَّ هَذِهِ الْـمُصْطَلَحَاتِ إِذَا اجْتَمَعَتْ، فَيَكُونُ الْـحَدِيثُ أَعَمَّ مِنَ السُّنَّةِ.
وَالْأَثَرُ: هُوَ مَا جَاءَ عَنِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فَمَنْ دُونَهُمْ، وَقَدْ يُطْلَقُ أَيْضًا عَلَى مَا جَاءَ عَنِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَلِلْإِمَامِ أَحْمَدَ أَبْيَاتٌ كَانَ يَتَمَثَّلُ بِهَا كَثِيرًا فِي مَجَالِسِهِ وَفِي دُرُوسِهِ لِأَنَّهَا تَحْمِلُ مَعْنًى قَيِّمًا يَتَّفِقُ مَعَ الْـمَنْهَجِيَّةِ الَّتِي سَلَكهَا -وَلِأَجْلِ ذَلِكَ سُمِّيَ بِحَقٍّ إِمَامَ السُّنَّةِ- يَقُولُ:
دِينُ النَّبِي مُحَمَّدٍ أَخْبَارُ *** نِعْمَ الْـمَطِيَّةُ لِلْفَتَى آثَارُ
لَا تَرْغَبَنَّ عَنِ الْـحَدِيثِ وَأَهْلِهِ *** فَالرَّأْيِ لَيْلٌ وَالْـحَدِيثُ نَهَارُ
وَلَرُبَّمَا جَهِلَ الْـفَتَى أَثَرَ الْـهُدَى *** وَالشَّمْسُ سَاطِعَةٌ لَهَا أَنْوَارُ
فَجَعَلَ الْـخَبَرَ بِمَعْنَى الْأَثَرِ بِمَعْنَى الْـحَدِيثِ.
أَمَّا عِنْدَ التَّحْرِيرِ أَوْ إِذَا اجْتَمَعَتْ فَالْأَثَرُ هُوَ مَا جَاءَ عَنِ الصَّحَابَةِ وَعَنِ التَّابِعِينَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ أَقْوَالٍ أَوْ أَفْعَالٍ.
َ
أمَّا السُّنَّةُ: فَهِيَ كُلُّ مَا جَاءَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ أَوْ تَقْرِيرٍ أَوْ صِفَةٍ خَلْقِيَّةٍ أَوْ خُلُقِيَّةٍ، لَكِنْ بِقَيْدٍ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ لَهُ صِلَةٌ بِالتَّشْرِيعِ.
فَالسُّنَّةُ لَا تَكُونُ إِلَّا فِي شَيْءٍ جَاءَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ عَلَاقَةٌ بِالتَّشْرِيعِ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَاقَةٌ بِالتَّشْرِيعِ فَلَيْسَ بِسُنَّةٍ.
أَمَّا الْـحَدِيثُ: فَأَوْسَعُ مِنْ ذَلِكَ إِذْ يَشْمَلُ هَذَا وَزِيَادَةً عَلَيْهِ، فَالْـحَدِيثُ مَا جَاءَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قَوْلٍ أَوْ تَقْرِيرٍ أَوْ صِفَةٍ خَلْقِيَّةٍ أَوْ خُلُقِيَّةٍ مِمَّا لَهُ صِلَةٌ بِالتَّشْرِيعِ وَمِمَّا لَيْسَ لَهُ صِلَةٌ بِالتَّشْرِيعِ قَبْلَ الْـبَعْثَةِ وَبَعْدَهَا.
فَكُلُّ شَيْءٍ جَاءَ عَنِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ حَدِيثٌ وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ الْـمَوْصُولُ وَغَيْرُ الْـمَوْصُولِ حَتَّى الْـمُرْسَلُ.